يُقدر عمر الكون بحوالي 13.7 مليار سنة وفقًا لنظرية الانفجار العظيم، التي تصف نشأة الكون وتطوره. لكن عند قياس حجم الكون المرئي، نجد أن قطره يصل إلى 93 مليار سنة ضوئية، وهو ما يثير تساؤلات محيرة: كيف يمكن للكون أن يكون أكبر من عمره؟ ولماذا لا يمكننا رؤية لحظة الانفجار العظيم نفسها؟
لفهم هذا اللغز، نحتاج إلى استكشاف طبيعة الضوء، وتمدد الكون، وتأثير ذلك على رؤيتنا للماضي الكوني.
لماذا لا يمكننا رؤية الانفجار العظيم نفسه؟
عند استخدام التلسكوبات القوية مثل هابل أو جيمس ويب، يمكننا رؤية المجرات البعيدة كما كانت في الماضي السحيق. لكن هناك سبب يمنعنا من رؤية لحظة الانفجار العظيم مباشرة:
في اللحظات الأولى من عمر الكون، كان ساخنًا وكثيفًا جدًا، مما جعل الضوء غير قادر على الانتشار بحرية، حيث كانت الفوتونات تصطدم باستمرار بجزيئات البلازما الكثيفة.
بعد 400,000 سنة من الانفجار العظيم، انخفضت درجة الحرارة بما يكفي لتشكّل الذرات، ما سمح للضوء بالانتشار بحرية فيما يُعرف بإشعاع الخلفية الكونية الميكروي (CMB)، وهو أقدم ضوء يمكننا رصده اليوم.
بالتالي، لا يمكننا رؤية اللحظات الأولى من الكون، بل فقط الضوء الذي انبعث بعد أن أصبح الكون شفافًا.
لماذا يبدو الكون أكبر من 13.7 مليار سنة ضوئية؟
لو كان الكون ثابتًا، لكان الحد الأقصى لرؤيتنا يقتصر على 13.7 مليار سنة ضوئية، ولكن تمدد الكون المستمر يغير هذه الحسابات:
الفوتونات القادمة من المجرات البعيدة تتحرك في كون آخذ في التوسع، ما يزيد المسافة الفعلية بيننا وبين تلك المجرات.
تمدد الفضاء يعني أن بعض المجرات التي كانت قريبة عند انبعاث ضوئها أصبحت الآن على بعد أكثر من 46 مليار سنة ضوئية.
نتيجة لذلك، فإن قطر الكون المرئي يصل إلى 93 مليار سنة ضوئية.
هل هناك جزء من الكون لا نستطيع رؤيته؟
نعم، الكون المرئي ليس سوى جزء صغير من الكون الكامل:
بعض مناطق الكون بعيدة جدًا لدرجة أن ضوءها لم يصل إلينا بعد.
هناك مجرات تبتعد عنا بسرعة تفوق سرعة الضوء بسبب التمدد المتسارع، ما يجعلها تختفي من نطاق رؤيتنا للأبد.
هذا يعني أن الكون الحقيقي قد يكون أضخم بكثير مما نتصور، وربما لن نتمكن من رؤية أجزائه البعيدة مهما تقدم العلم.
كيف يساعدنا هذا الفهم في دراسة الكون؟
معرفة كيفية تمدد الكون تؤثر بشكل كبير على علم الفلك والفيزياء:
دعم نظرية الانفجار العظيم: إذ تؤكد أن الكون كان أكثر كثافة وسخونة في الماضي.
تفسير ظاهرة الانزياح الأحمر: حيث يتمدد الضوء القادم من المجرات البعيدة باتجاه الطيف الأحمر كلما زادت المسافة.
فهم المادة والطاقة المظلمة: إذ لا يزال العلماء يحاولون تفسير سبب تسارع تمدد الكون، والذي يُعتقد أنه مرتبط بالطاقة المظلمة.
الكون أكبر مما نراه
عندما ننظر إلى السماء، فإننا لا نرى الكون كما هو الآن، بل كما كان في الماضي. لكن بسبب تمدده، فإن المسافات الفعلية للمجرات التي نرصدها اليوم أكبر بكثير مما يبدو.
هذا يطرح أسئلة مثيرة مثل:
ما هو الشكل الحقيقي للكون؟
هل سيستمر في التمدد إلى الأبد؟
ماذا يوجد خارج الكون المرئي؟
لا تزال هذه الأسئلة بدون إجابات قاطعة، لكن مع تطور التكنولوجيا، قد نقترب يومًا ما من كشف أسرار هذا الكون الشاسع والمذهل.