عند التفكير في الرحلات الجوية بين الولايات المتحدة واليابان، قد يتبادر إلى الذهن أن أقصر مسار هو العبور مباشرة عبر المحيط الهادئ أو حتى عبر المحيط الأطلسي، مرورًا بأوروبا وآسيا. ولكن في الواقع، تسلك الطائرات مسارًا غير متوقع، حيث تتجه شمالًا نحو القطب الشمالي، مرورًا بكندا وسيبيريا قبل أن تحط في اليابان. فما السبب وراء ذلك؟
1. كروية الأرض وتأثيرها على المسارات الجوية
لفهم سبب اختيار هذا المسار، علينا أن نتذكر أن الأرض ليست مسطحة بل كروية. في الخرائط المسطحة، يبدو أن المسافة بين نقطتين تُقاس بخط مستقيم، ولكن على كرة ثلاثية الأبعاد، يكون أقصر طريق بين نقطتين هو ما يُعرف بـ المسار الجيوديسي أو القوس الأعظم (Great Circle Route).
كلما ابتعدنا عن خط الاستواء واتجهنا شمالًا أو جنوبًا، يقل طول القوس الذي يربط بين نقطتين على سطح الأرض. ونتيجة لذلك، يكون التحليق عبر المناطق القطبية أو القريبة منها أقصر من التحليق عبر المسارات التقليدية التي تبدو مستقيمة على الخرائط المسطحة.
2. حسابات المسافة والمسار الفعلي
إذا نظرنا إلى المسافة بين لوس أنجلوس وطوكيو، فإن الطيران مباشرة عبر المحيط الهادئ يبدو منطقيًا. لكن عندما نرسم المسار الفعلي باستخدام خرائط الكرة الأرضية، نجد أن أقصر طريق بينهما هو عبر كندا، ثم ألاسكا، ثم روسيا، وصولًا إلى اليابان.
هذا ينطبق أيضًا على الرحلات بين نيويورك وطوكيو أو شيكاغو وطوكيو، حيث يكون المسار الذي يمر فوق القطب الشمالي أو المناطق القريبة منه أقصر بكثير مقارنة بالمسارات التي تمر عبر القارات أو المحيطات بطريقة مباشرة.
3. تأثير الرياح والتيارات الهوائية
هناك عامل آخر يزيد من أهمية هذا المسار وهو الرياح النفاثة (Jet Streams)، وهي تيارات هوائية قوية تتحرك من الغرب إلى الشرق في الطبقات العليا من الغلاف الجوي. عندما تحلق الطائرات في هذا الاتجاه، يمكنها الاستفادة من هذه الرياح لتقليل استهلاك الوقود وتقليل مدة الرحلة.
على العكس، عند العودة من اليابان إلى أمريكا، يتم تعديل المسار لتفادي الرياح المعاكسة القوية، مما قد يجعل الرحلة أطول أو يتطلب مسارات مختلفة لتقليل تأثير الرياح السلبية.
4. السلامة والطوارئ في المسارات الجوية
المسارات التي تمر فوق القطب الشمالي أو القريبة منه تقدم أيضًا بعض الفوائد من حيث السلامة:
• وجود مسارات بديلة للهبوط في حالات الطوارئ، حيث يمكن للطائرات الهبوط في كندا أو ألاسكا أو سيبيريا إذا لزم الأمر.
• تجنب التحليق لفترات طويلة فوق المحيط الهادئ، حيث تقل خيارات الطوارئ مقارنة بالمناطق التي تحتوي على مطارات احتياطية.
5. كيف يؤثر ذلك على المسافرين؟
رغم أن هذا المسار أكثر كفاءة، إلا أنه قد يسبب بعض التأثيرات على الركاب:
• التحليق قرب القطب الشمالي قد يعرض الركاب والطاقم لمستويات أعلى من الإشعاع الكوني مقارنة بالمسارات التي تبقى أقرب إلى خط الاستواء.
• تأثير اختلاف المناطق الزمنية قد يكون ملحوظًا بسبب تغير المسار وانحناء الرحلة عبر الكرة الأرضية.
• في بعض الأحيان، يمكن رؤية الشفق القطبي أثناء الرحلات التي تمر فوق المناطق الشمالية، مما يمنح المسافرين مشهدًا فريدًا من نوعه.
العلم وراء اختيار المسار
إذا كنت قد لاحظت أن الرحلة من أمريكا إلى اليابان تتخذ طريقًا غير متوقع، فالأمر ليس عشوائيًا، بل هو ناتج عن قوانين الفيزياء والجغرافيا التي تجعل المسار الشمالي هو الأقصر والأكثر كفاءة.
بفضل كروية الأرض، والمسار الجيوديسي، وتأثير الرياح النفاثة، أصبحت هذه الرحلات أكثر سرعة وكفاءة، مما يوفر الوقت والوقود ويضمن تجربة سفر أكثر سلاسة. لذا، في المرة القادمة التي تنظر فيها إلى شاشة متابعة الرحلة أثناء الطيران، ستعرف أن الطائرة لا تأخذ مسارًا غريبًا، بل إنها تسلك الطريق الأمثل بين القارات!